هل يصبح الأبناء نسخة عن آبائهم مع مرور الوقت ؟

تكرار الأنماط العائلية: هل يصبح الأبناء نسخة عن آبائهم مع مرور الوقت؟
بقلم د. ناريمان أسعد
"لن أكون مثل أمي أو أبي"، سمعت هذه الجملة تتردد كثيراً من حولي، لكنني كلما تأملت الواقع، وجدت أن كثيرين يعيدون نفس التصرفات التي رفضوها يوماً.
تكرار الأنماط العائلية يرتبط بشكل كبير بتجارب الطفولة، إلى جانب عدة تأثيرات أخرى. واطلعت على دراسات حديثة تشير إلى أن التشابه مع الوالدين يظهر بوضوح في سن الثلاثين، رغم محاولات الابتعاد عنهم. في هذا المقال، أتناول أبرز العوامل التي تجعل الفرد يكرر ما كان ينتقده، دون أن يشعر.
أحدث الدراسات حول تكرار الأنماط العائلية
أظهرت دراسة استقصائية حديثة أجرتها شركة "بروغريسف" للأبحاث أن 27% من الأميركيين يشعرون بالقلق من تكرار أخطاء والديهم مع تقدمهم في العمر، رغم إدراكهم المبكر لهذه السلوكيات. وبيّنت النتائج أن كثيراً من الأفراد يلاحظون هذا التشابه بوضوح في سن الثلاثين، رغم أن تبني هذه العادات يبدأ في وقت أبكر مما يظنون.
وشمل الاستطلاع عينة من 2000 شخص بالغ، موزعين بالتساوي بين الأجيال المختلفة، وكشف أن 38% منهم يسعون بإدراك لتجنب العادات الأبوية التي يعتبرونها غير سليمة، مقابل 25% يرون في بعض الصفات الموروثة جانباً إيجابياً لا مانع من تقبله.
واحدة من النتائج اللافتة في الدراسة كانت ظهور ما يُعرف بشخصية "أب المطار"؛ حيث أقر 41% من المشاركين بأنهم يتصرفون تماماً مثل والديهم أثناء السفر، من خلال الحضور المبكر للمطار، والمبالغة في تتبع الأمتعة، والاستعداد المفرط قبل صعود الطائرة.
عوامل تجعل الفرد يكرر سلوك والديه
أرى أن تكرار الأنماط العائلية يحدث نتيجة تفاعل معقّد بين العاطفة والبيئة والتجربة العصبية. وفيما يلي أعرض أبرز العوامل التي تدفع الفرد، إلى تكرار سلوك والديه، حتى عندما يكون مدركاً لرغبته في التغيير:
التعلم المبكر: يتشرب الطفل سلوكيات والديه منذ الطفولة، فتصبح نمطاً تلقائياً يصعب كسره لاحقاً.
المسارات العصبية: تتشكل في الدماغ استجابات تلقائية تعيد تفعيل نفس السلوك في مواقف مشابهة.
الارتباط العاطفي: تقليد الوالدين قد يكون محاولة لا شعورية للحفاظ على الشعور بالأمان والانتماء.
غياب البديل: في غياب نموذج مختلف، يعود الفرد تلقائياً لما يعرفه مهما كان معيباً.
الرغبة في الإصلاح: يكرر البعض نفس السلوكيات بهدف تقديمها بشكل "أفضل"، فيقعون في نفس الأخطاء.
هل يمكننا التحرر من تكرار الأنماط العائلية وتكوين أسلوبنا الخاص؟
بالرغم من تأثير العوامل الاجتماعية والبيولوجية، أؤمن بأنه يمكن كسر دائرة تكرار الأنماط العائلية، وقد وجدت أن ذلك يتحقق من خلال:
اعتماد "النموذج الارتجالي" يعني اختيار سلوك مختلف عن ما اعتاد عليه الوالدان، مع الاحتفاظ بما يفيد.
مراقبة للسلوكيات الموروثة وتحويلها إلى عادات أفضل بإضافة لمسة شخصية.
الاستفادة من سلوكيات إيجابية مكتسبة من الأصدقاء أو المعارف لتحسين نمط التصرف.
إعادة بناء المسارات العصبية عبر ممارسة السلوكيات الجديدة باستمرار لمواجهة الأنماط القديمة.
وضع أهداف واضحة لتحديد من يريد الفرد أن يكون وكيف يريد التصرف، مع الالتزام بها.
ختاماً، أرى أن تكرار الأنماط العائلية قد يجعل الأبناء يظهرون كنسخ عن آبائهم، لكنني لا أعتبر هذا أمراً حتمياً. يمكن لكل فرد، أن يختار كسر هذه الدائرة وبناء سلوك خاص به. من خلال خدماتنا الاستشارية والتدريبية المتخصصة، أحرص على توفير الدعم والأدوات التي تمكّنالأفراد من فهم ذواتهم وتجاوز الأنماط القديمة، لنساعد معاً في خلق حياة وعلاقات عائلية أفضل وأكثر استقلالاً.